الأربعاء، يوليو 26، 2017

على شفير الحياة

أنا الآن آخذ مكاني في حيز من منصة مترامية الأطراف رمادية اللون على أرضية زرقاء.. أمامي جهاز الكمبيوتر هذا الذي اخترت أدون منه اللحظة لا من هاتف سمية الذي أحمله هذه الأيام.
أ تعلمون ما الذي يحيط بهذا المربع الضخم الذي يتوارى خلفه كل من يجلس داخله.  إنه محاط بأرواح تصارع الموت على شفير من الحياة. أرواح معلقة بينهما تستجدي أحدهما إما موت أو حياة فلا أقسى من البقاء بين هذين دون الاستقرار إلى أحدهما .

إنه المكان الذي غالبا ما تخالط فيه ابتهالات العابرين و الواقفين أمام الغرف طنين أجهز التنفس والانعاش وأجهز أخرى كثيرة يتألم أحباب الراقدين بمراقبتها وهي تحاصر عزيزا عليهم لا يدرون على أي حال ستتركه أو يتركها.

إذا نظرتُ إلى أقصى اليمين اصطدمت عيناي بغرفة لصبية جميلة ابنة ال 15 عام أبهرني جمالها حين رأيت صورتها في ملفها الطبي, لكن ذلك الجمال الآن لا روح فيه فهي ميتة دماغيا إثر حادث أليم كسرت فيه مقدمة جمجمتها قبل شهر ودخلت من حينها في غيبوبة الموت السريري ..
أمام غرفتها تماما شاب يروح ويجيئ منذ أكثر من نصف ساعة يخيم على  وجهه حزن عظيم لا تكاد تخطئه عين.. إنه ابن لرجل ستيني  يرقد في الغرفة المجاورة للصبية.. مصاب بسرطان الدم  قبل خمس أيام فقط دخل إلى الطوارئ مشيا على قديمه لكنه أصيب البارحة بنزف دماغ مفاجئ أدخله في غيبوبة ولايزال وضعه حرجا ، كانت ابنته هذه الصباح تبكي بكاء يفطر الأكباد، لايزال صوت بكائها يتردد في أذني حتى الآن.

لفتت انتباهي وأثرت فيّ حالة في إحدى زوايا هذه المكان الكئيب لفتاة ثلاثينية ولدت بفيروس المناعة المكتسبة لأم مصابة به, ثم تعاقبت عليها الأمراض خلال أيام شبابها منها المعدية , ومنها سرطان الجهاز اللمفاوي والكبد الوبائي البائي وأغربهم وأكثرهم قسوة المرض الذي يحكي كم تألمت هذه الفتاة نفسيا . conversion disease
إنه مرض عصبي عقلي يصاب به المريض بعد تعرضه لصدمة نفسية او جسدية كبيرة تجعله يتوهم فقدان حاسية أو قدرة من قدراته الجسدية كالبصر أو المشي. ليسا مرضا عضويا أي لاوجد أي تشخيص فعلي وملموس لما يشعر به المريض.

أتتني الأىن قريبة للمريض بالغرفة التي عن يساري تطلب ورقة وقلما ليكتب لهم مريضهم ما يريد قوله... تفاجأت و فرحت, لم أكن أعلم أن له القدرة على ذلك كونه في مرحلة متأخرة من السرطان حيث انتشر الورم في رقيبته و رأسه و رئتيه. هو رجل في بداية الأربعين كان مدمنا للكحول والتدخين عسى الله أن يكون قد تاب عليه وطهره.
حان موعد الذهاب.

الاربعاء 26 يوليو 2017
الساعة الرابعة مساء
العناية المركزة

الاثنين، يوليو 24، 2017

قتلوها .. سامحهم الله

ريما ابنة الثلاثة عشرة قبل خمسة أشهر فقط كانت ريما تجري وتضحك وتلعب مع صديقتها في المدرسة ، لكنها دخلت علينا العيادة هذا الصباح على سريرها المتحرك جامدةً دون حراك ، تحيطها أجهزتها المتنقلة للتنفس وللغذاء كي تبقى ريما بتلك الأجهزة ميتة على قيد الحياة، 
ريما الفتاة السمرا الجميلة البريئة تنام للأبد بسبب الجهل و ليس أبشع من الجهل قاتلا.
بدأت قصة ريما بالتهاب في الأذن وحمى تطورت لألم في الرقبة وتغير في مستوى الوعي والإدراك العقلي، الأطباء أشاروا بتنويم ريما لشكهم الكبير باصابتها بالتهاب السحايا، لكن الأهل رفضوا بشدة و اختاروا الذهاب للمطوع ليقينهم بأنها مصابة بمس شياطني. تدهورت الحالة بمرور الوقت أكثر لتصل إلى غيبوبة و  فتق دماغي.
من لالتهاب أذن وحمى إلى التهاب السحايا والغيبوبة والموت الدماغي.
 الاثنين الحافل 24 يوليو 2017